فصل: باب: الخُطْبَةِ أَيَّامِ مِنًى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض الباري شرح صحيح البخاري ***


باب‏:‏ الخُطْبَةِ أَيَّامِ مِنًى

واعلم أنَّ في الحج ثلاث خُطبات‏:‏ في السابعة، والتاسعة، والحادية عشرة‏.‏ وأما ما سواها، فحمَلَها الحنفيةُ على الحوائج العامة، لا من المناسك‏.‏

1739- قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ فأي شهر هذا‏؟‏ قالوا‏:‏ شهر حرام‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وأمعن النظرَ في آخر خُطبة خَطَبها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم في حَجِّة الوداع، كيف تدل على بقاءِ حُرمة الأشهر الحرم، حتى سمَّوه بالشهر الحرام، مع أنَّ الجمهور ذهبوا إلى نَسخِهِ، وأنكره ابن تيمية، وادّعى أن البداية بالقتال فيها حَرَامٌ إلى الآن أيضًا‏.‏

قلتُ‏:‏ وكان ينبغي للجمهور أن لا يتركوا تسميتَها بالأشهر الحرم‏.‏ ونازعوا في الأحكام على نحو ما قلت في حَرَمِ المدينة‏:‏ إن لها حَرَمًا أيضًا، إلا أنَّ أحكامَه ليست كأحكام حرم مكة كذلك‏.‏ فليقل‏:‏ إنَّ لتلك الأشهر حرمةٌ باقيةً عندنا أيضًا، إلا أن حرمَتَها ليست على ما كانت قبل النَّسخ، وحينئذٍ لمّا لم ترد عليهم ألفاظُ الأحاديث التي ورد فيها إطلاقُ الأشهر الحرم عليها، فإنَّه يدُل على بقاء حرمتها بعدُ‏.‏

1741- قوله‏:‏ ‏(‏اللهم اشهد‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وإنما جعله شاهدًا، لأنَّ الأممَ يُسألون عن أنبيائهم يوم القيامة، أنهم هل بلغوا أم لا‏؟‏ فيكذِّبون بعضهم، ويقولون‏:‏ إنهم لم يبلغْهم شيئًا، وحينئذ يحتاج الأنبياء عليهم السلام إلى الشهادة‏.‏

باب‏:‏ هَل يَبِيتُ أَصْحَابُ السِّقَايَةِ أَوْ غَيرُهُمْ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى‏؟‏

باب‏:‏ رَمْيِ الجِمَار

باب‏:‏ رَمْيِ الجِمَارِ مِنْ بَطْنِ الوَادِي

باب‏:‏ رَمْيِ الجِمَارِ بِسَبْعِ حَصَيَات

واعلم أنَّ رميَ الجِمَار واجبٌ عندنا، والبَيْتُوتَةُ سنةٌ‏.‏

باب‏:‏ مَنْ رَمى جَمْرَةَ العَقَبَةِ فَجَعَلَ البَيتَ عَنْ يَسَارِه

باب‏:‏ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاة

باب‏:‏ مَنْ رَمى جَمْرَةَ العَقَبَةِ وَلَمْ يَقِف

وعند الترمذي‏:‏ «حِذَاءه»، مكان اليسار، وينبغي الاعتمادُ على لفظِ البخاري‏.‏

باب‏:‏ إِذَا رَمى الجَمْرَتَينِ، يَقُومُ وَيُسْهِلُ، مُسْتَقْبِلَ القِبْلَة

باب‏:‏ رَفعِ اليَدَينِ عِنْدَ الجَمْرَتَيْنِ الدُّنْيَا وَالوُسْطى

/

باب‏:‏ الدُّعاءِ عِنْدَ الجَمْرَتَين

قوله‏:‏ ‏(‏ثم يدعو‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وفي الروايات أنه كان يُطَوِّل في الدعاء قدر سورة البقرة‏.‏

باب‏:‏ الطِّيبِ بَعْد رَمْيِ الجِمَارِ، وَالحَلقِ قَبْلَ الإِفاضَة

واعلم أنَّ المُحرمَ له جميعُ محظورات إحرامِهِ بعد الحلق، إلا النساء، وفي رواية شاذة‏:‏ إلا الطيب أيضًا، وتؤيدها رواية عن ابن ماجه، وأوَّلها الناس‏.‏ قلتُ‏:‏ بل الصواب أن تلتزمَ ذلك، ويُقال‏:‏ إن الروايات العامة حجةٌ للروايةِ المشهورة عن الإِمام، والشاذة للشاذة، ولا حاجة إلى التأويل‏.‏ فإن قلتَ‏:‏ إن قولَ المصنِّف‏:‏ «بعد رمي الجِمار» في غير محله، لأنه لا دَخْل له في الحِلِّ، وإنما الدخل فيه الحلق‏.‏ قلتُ‏:‏ لأنَّ بعضَ الأفعال الأربعة يوم النحر مما ليس بجناية في وقتٍ من الأوقات‏.‏

باب‏:‏ طَوَافِ الوَدَاع

باب‏:‏ إِذَا حاضَتِ المَرْأَةُ بَعْدَ مَا أَفاضَت

وهو واجبٌ عندنا‏.‏ وفي قولٍ‏:‏ سنة‏.‏ كما أن القدومَ سنة في المشهور، وفي قولٍ‏:‏ واجبٌ، كما في «خزانة المفتين»، وهو معتبر‏.‏ أما خزانة الروايات، فلا أعتمدُ عليه، وهو من تصانيف عالم من كجرات‏.‏

ويسقط الوداع عن الحائض والنُّفَساء‏.‏ وكان ابن عمر يقول‏:‏ بأن الحائض والنفساء تنتظر له حتى تطهُرَ، فتطوف له، فلما بلغه الحديث‏:‏ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم رخص لهنَّ، رجع عنه، كما في الباب الآتي‏.‏ أما طواف الزيارة، فإنَّها تنتظر له عند جميعهم‏.‏

باب‏:‏ مَنْ صَلَّى العَصْرَ يَوْمَ النَّفرِ بِالأَبْطَح

باب‏:‏ المُحَصَّب

وهو المستحبُّ عندنا، ثم الأبْطَحُ، والمُحَصَّبُ، والبَطْحَاءُ، وخَيْفُ بني كِنَانة كلها اسمٌ لمكان واحدٍ، وهي من مِنىً‏.‏ واستدل عليه الشافعي من قول الشاعر‏:‏

يا راكبًا قِفْ بالمحصَّبِ من مِنى *** واهتف بقَاطنِ خيفِهَا والنَّاهِضِ

ثم إن البطحاءَ عند مكة، وعند المدينة أيضًا بطحاء‏.‏

باب‏:‏ النُّزُولِ بِذِي طُوًى قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ، وَالنُّزُولِ بِالبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الحُلَيفَةِ إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّة

باب‏:‏ مَنْ نَزَلَ بِذِي طُوًى إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّة

ونزول البطحاء التي بذي الحُلَيفة إذا رجع من مكة‏.‏ فإن قلت‏:‏ لم جمع المصنِّفُ بين نزوله بذي طُوَىً، وبين نزوله بذي الحُلَيفة، فإن الأولَ كان حين دخوله مكة، فإنَّ ذي طُوَى على ثلاثة أميال من مكة؛ والثاني عند قُفُولِهِ من مكة إلى المدينة‏؟‏ قلتُ‏:‏ أشار إلى أنَّ نزول النبيِّ صلى الله عليه وسلّم بالموضعين كان قصدِيَّا، فينزل بذي طُوَىً عند ذهابه إلى مكة، وذي الحُلَيفة عند إيابه من مكة‏.‏

باب‏:‏ التِّجَارَةِ أَيَّامَ المَوْسِمِ، وَالبَيعِ في أَسْوَاقِ الجَاهِلِيَّة

ترجم بها نظرًا إلى لفظ القرآن ‏{‏لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مّن رَّبّكُمْ‏}‏، وإنما يجوزُ البيعُ في أسواق الجاهلية، إن لم يكن سببًا لشوكتهم وإلا يُمنع عنه‏.‏

باب‏:‏ الادِّلاجِ مِنَ المُحَصَّب

والإِدِّلاج- بتشديد الدال- أسير في آخر الليل ، وبسكونها‏:‏ اسم للسير في أول الليل‏.‏

كتاب‏:‏ العُمْرَة

باب‏:‏ وُجُوبِ العُمْرَةِ وفَضْلِهَا

أبواب العمرة

قيل‏:‏ إنَّ العمرةَ مُشتقٌ من العُمْر، وذلك وقتُها، وليس بصحيح، بل العمرةُ بمعنى الزيارة، جزمَ المصنفُ بوجوبها‏.‏ والواجبُ والفرضُ عنده سواء‏.‏ والمشهور عندنا أنها سنة، وقوَّاه ابن الهُمَام، واستدل عليه بحديثٍ فيه حجاج بن أرْطأة‏.‏ وواجبٌ في قولٍ، كما في «الجوهرة» وهو المختار عندي‏.‏

وقد ورد إطلاق الحجِّ على العمرة أيضًا، فإنَّ الحجَّ الأكبر عندهم هو الوقوفُ بعرفة، والحج الأصغر العمرة، ولقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 196‏)‏ أي أدوه بوصفِ التمام، فالمطلوب هو العمرة، مع تلك الصفة، لا أنَّ المأمورَ به هو الإِتمام عند الشروع، دون العمرة نفسِها، فإنَّه تأويلٌ عندي‏.‏

وعن أبي يوسف‏:‏ أنَّ الناس كانوا يُقصِّرُون في العمرة في زمن الجاهلية من كل وجه، وفي الحج شيئًا، فلم يكونوا يذهبون إلى عرفات، فأمَرَهم الله سبحانه أنْ يُطهِّروا الحج والعمرة من تلك النقائص، ويأتوا بهما تامَّين، كما أمر الله سبحانه‏.‏ فَثَبَتَ أنَّ العمرةَ أيضًا مأمورٌ بها، فتكون واجبًا كما جزم به المصنف، وصاحب «الجوهرة» منا‏.‏

باب‏:‏ مَنِ اعْتَمَرَ قَبْلَ الحَج

يَحتملُ لفظُه أن يكونَ المرادُ الإِتيانَ بالعمرة قبل أفعال الحج، ويَحتملُ أن يكون المراد أداء العمرة فقط، وهذا الثاني هو المراد ههنا، كما يُعلم من حديث الباب‏.‏

باب‏:‏ كَمِ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم

باب‏:‏ عُمْرَةٍ في رَمَضَان

واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلّم اعتمر أربع عُمْرات‏.‏ واختلف الرواة في تعديدها، فبعضُهم لم يعدُّوا عمرةَ الحُدَيْبِيَة، لعدم تماميتها، والحِلُّ قبل أوانها، وبعضٌ لم يَعُدُّوا عمرة الجِعْرَانة، لكونها في سواد الليل، ومنهم من لم يَعُدَّ العمرة مع حجته، لعدم تميُّزها من حجته، فهذه اعتباراتُ أن ذلك اختلاف‏.‏

1775- قوله‏:‏ ‏(‏إحداهن في رجب‏)‏، وهو ههنا نَكِرَةٌ قطعًا لزوال العَلَمية، نحو جاء عمر، وعمر آخر‏.‏ ثم إن الشارحين اتفقوا على كونِهِ غلطًا من ابن عمر‏.‏ وتبيَّنَ لي مَنْشأ غلطه، وهو أن العمرة في الملة الإِبراهيمية، كانت في رجب، وكان الحج في ذي الحجة، فجعل ابن عمر عمرتَه أيضًا في رجب، بناءً على المِلة الإِبراهيمية‏.‏

ثم إن صلاة الضحى في المسجد ليست بدعةً على الإِطلاق، وإنَّما حكم عليها ابن عمر بكونِها بدعةً لبعض أمور عَرَضتْ هناك‏.‏

1779- قوله‏:‏ ‏(‏ومن القابل عمرة الحديبية‏)‏، وهو سهوٌ من الراوي، فإِن عمرة النبي صلى الله عليه وسلّم من العام القابل كانت عمرة القضاء‏.‏ ويُحتمل أن يكونَ قوله‏:‏ «عمرة الحديبية» متعلِّقًا بقوله‏:‏ «حيث ردوه»، لا بيانًا لما في العام القابل، كما تدل عليه الرواية التي تليها، ففيها‏:‏ «عمرته من الحديبية، ومن العام المقبل» هذا الترتيب هو الصحيح‏.‏

وقد علمتَ فيما ألقينا عليك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يعتمر قبل حجته إلا في أشهر الحج، فلا تكون العمرة في حَجة الوداع، لرد زعم الجاهلية، فإِنَّه رده قبله مرارًا‏.‏

باب‏:‏ العُمْرَةِ لَيلَةَ الحَصْبَةِ وَغَيرهَا

واعلم أنَّ العمرةَ عندنا جائز في السنة كلها، إلا في الخمسة من ذي الحجة، من يوم عرفة إلى آخر النَّفْر‏.‏ نعم، له أن يقضيها في تلك الأيام أيضًا إن كان رَفَضَها، وإلا كُره‏.‏

باب‏:‏ عُمْرَةِ التَّنْعِيم

قد سمعتَ مرارًا أنَّ المكيَّ يُهلُّ عندنا لعمرتِهِ من الحِل، والأفضل أنْ يحرمَ من التنعيم، لأن عائشة أهلَّت منها‏.‏ وقال آخرون‏:‏ إنَّ بَعْثَها إليها كان اتفاقًا، لا لأن إحرامَ المكي لعمرتِهِ لا يكون إلا من الحِلِّ‏.‏

1785- قوله‏:‏ ‏(‏ألكم هذه خاصة يا رسول الله‏)‏، والإِشارة عندنا إلى الحِل‏.‏ وجعلها أحمد إلى فسخِ الحج إلى العمرة‏.‏ ولنا ما عند مسلم عن أبي ذر‏.‏

باب‏:‏ الاعْتِمَارِ بَعْدَ الحَجِّ بِغَيرِ هَدْي

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يكن في شيء من ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم‏)‏ وقد مر مني أنه لا منَاص من الهدْي، إما للقِرَان كما قاله الشافعية، أو لرفضِ عمرتِها كما قلنا‏.‏ فقيل‏:‏ المراد به نفي دم الجِنَاية‏.‏ والجوابُ عندي أنَّ الهَدْي رَسْمٌ لِمَا يُهدى إلى البيت من بيته، فالسوقُ داخلٌ في مفهومه، ولم تكن عائشةُ ساقت هَدْيَها، وإنما اشترى لها من الطريق، فصحَّ نفيُ الهدي بهذا المعنى، وإلا فالهدي واجب على المذهبين، وإنما تعرض الراوي إلى نفي الصوم والصدقة لكونهما قد يجبان في باب الحج، وإن لم يكونا واجبين في الصورة الموجودة‏.‏

تنبيه

قد سبق منا فيما أسْلَفْنا أنَّ ألفاظَ الأحاديث كلها تدل على رفض عمرتها، وأنَّ عمرتَها، بعد حجها كانت قضاءً للمرفوضة، إلا أنَّه لا يتبينُ حينئذٍ ما وجه إصرارها، لأنها لو كانت العمرةُ واجبةً عليها قضاءً عن عمرتها المرفوضة، لأَمَرَها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم بقضائها ابتداءً، ولم تحتج إلى هذا الإِصرار، ولم أر أحدًا توجَّه إلى جوابه، وقد أجبت عنه في برنامجتي‏.‏

باب‏:‏ أَجْرُ العُمْرَةِ عَلَى قَدْرِ النَّصَب

لا يريد به بيانَ مسألة، ولكن كان عنده حديث في ذلك ‏(‏فأراد‏)‏ أن يترجمَ عليه ترجمته‏.‏

1787- قوله‏:‏ ‏(‏ولكنها على قدر نفقتك، أو نصبك‏)‏، قال مولانا شيخ الهند‏:‏ معناه أنَّ عمرتَك أفضلُ من عُمَر سائر الأصحاب، وإن كانت مؤخرة بحسَب الظاهر، لأنك قاسيت مرارةَ الانتظار‏.‏ وهذا يُفيد الحنفيةَ، لأنه مبنيٌّ على رفض عمرتِها‏.‏ قال الحافظ‏:‏ بل هو دالٌّ على قِلة أجرها من عمراتهم، لكون عمرتهم آفاقية بخلافها، فإنَّها كانت مكيةً‏.‏

باب‏:‏ المُعْتَمِرِ إِذَا طَافَ طَوَافَ العُمْرَةِ ثُمَّ خَرَجَ، هَل يُجْزِئُهُ مِنْ طَوَافِ الوَدَاع

باب‏:‏ يَفعَلُ في العُمْرَةِ ما يَفعَلُ في الحَج

وهكذا المسألة عندنا، فإنَّه كتحية المسجد‏.‏

باب‏:‏ مَتَى يَحِلُّ المُعْتَمِر

لعله تعريضٌ إلى ابن عباس، فإنَّه يقول‏:‏ إن المعتمرَ يحلُّ بالطواف، ويسعى فيما بعده‏.‏

1792- قوله‏:‏ ‏(‏لا صخب فيه ولا نصب‏)‏، ومر عليه الشيخ الأكبر، وقال‏:‏ إنها جُوزيت ببيت في الجنة كذلك لكونها ربة البيت‏.‏ وقوله‏:‏ لا «صخب» لأنه يُهيأ للعروس منزلٌ خالٍ‏.‏ وقوله‏:‏ لا «نصب» لأنها كانت تُتْعِبُ نفسَها في الدنيا، حين كانت تذهب بطعام النبيِّ صلى الله عليه وسلّم في أيام تحنُّثِه بِحِرَاء‏.‏

1795- قوله‏:‏ ‏(‏فكنت أفتي به، حتى كان في خلافة عمر، فقال‏:‏ إن أخذنا بكتاب الله، فإنه يأمرنا بالتمام‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، فإنْ قلتَ‏:‏ إن عمر كان ينهى عن التمتعِ، فما محملُ الآية عندَه، فإنَّها صريحةٌ في التمتع، ‏{‏فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ‏}‏ ‏.‏‏.‏‏.‏إلخ‏؟‏‏(‏البقرة‏:‏ 196‏)‏ قلتُ‏:‏ ولعله يحملها على أنَّ التمتعَ لا حلّ فيه، كما صرح به خَوَاهر زاده في «مبسوطة»‏:‏ إن الذي لم يسق الهَدْي، يجوز له الحِلُّ، ولا يجب عليه‏.‏ وأما عند صاحب «الكنز» وصاحب «الهداية» فيجب عليه أنْ يَحِل‏.‏

باب‏:‏ ما يَقُول إِذَا رَجَعَ مِنَ الحَجِّ أَوِ العُمْرَةِ أَوِ الغَزْو

باب‏:‏ اسْتِقْبَالِ الحَاجِّ القَادِمينَ وَالثَّلاثَةِ عَلَى الدَّابَّة

باب‏:‏ القُدُومِ بِالغَدَاة

باب‏:‏ الدُّخُولِ بِالعَشِي

باب‏:‏ لا يَطْرُقُ أَهْلَهُ إِذَا بَلَغَ المَدِينَة

باب‏:‏ مَنْ أَسْرَعَ نَاقَتَهُ إِذَا بَلَغَ المَدِينَة

1797- قوله‏:‏ ‏(‏يكبر على كل شرف‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وعند الدارمي في «مسنده»‏:‏ «أن التكبيرَ على شَرَفٍ، والتسبيحَ في الخفضِ من صفات هذه الأمة المكتوبة في التوراة»، وعند أبي داود في الجهاد في باب ما يقول الرجل إذا سافر‏:‏ «وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وجيوشُه إذا علوا الثَنَايا كبَّروا، وإذا هبطوا سبَّحُوا، فوضعت الصلاة على ذلك»‏.‏ اهـ‏.‏

ولعل هذا هو منشأ ما نُسب إلى بعض السلف من ترك التكبير عند الخفض في الصلوات أيضًا‏.‏ وعندنا أيضًا في قول‏:‏ أن يأتي بالتكبير في القومة، ويُخلي الانحناءَ عن الذكر‏.‏ وقال الطحاوي‏:‏ إن السنة أن يبسطَ التكبير على الانخفاضِ، ويملأَ من الذكر، وهو الأصوب‏.‏

ومن ذهب من السلف إلى ترك التكبير في الانخافض، فلعلَّه لأجل حديث أبي داود هذا لا غير، وكثيرًا ما يكون، أن شيئًا إذا تمكن في الذهن، جعله الإِنسان مدارًا، ومَطْرَدًا، ومُنعَكسًا‏.‏

فائدة

واعلم أنَّ أبا بكر المُقْرِي، وأبا عَرُوبة الحراني، وابن مُظَفَّر البغدادي، كلهم من تلامذة الطحاوي‏.‏ أما أبو بكر، فهو من أئمة الحديث، وقد جمع «مسند أبي حنيفة»، ولا يوجد، وكذلك أبو عروبة من الأئمة، وجمع «مسند أبي يوسف»، وابن مظفر، وهو حافظ أيضًا، جمع «مسند أبي حنيفة» ولا أريدُ أنَّ هؤلاء كلهم حنفيون، بل أريدُ أنَّ شغَفَهم بجمع «مسند الإِمام الهُمَام» من آثار تلمذتهم على الحنفي، فأدوا حق تلمذتهم، وراعوه حتى بقي ذلك من آثاره‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوبِهَا‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 189‏)‏

باب‏:‏ السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَاب

واعلم أنَّ أهل الجاهلية يعدون الدخول من الأبواب من محظورات الإِحرام، ويزعُمون ظِل الباب على الرأس كتغطيته، فكانوا يحترزون عنه‏.‏ وفي «الفتح» أن العرب لم يكونوا يدخلون البيوت من الأبواب إلا الحمس‏.‏ ودخل النبيُّ صلى الله عليه وسلّم مرةً بيتَه من الباب، وهو محرمٌ، فدخل معه رجلٌ آخر أيضًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم «كيف دخلت من الباب‏؟‏ فأجاب لأنك دخلتَ منه، قال له‏:‏ إني من الحُمْس، ولست منهم، فقال‏:‏ ولكني على دينك»، فدل على أنَّ هذا لم يكن باطلا محضًا، فليفتش إسناده، فإنْ كان قويًا حدث إشكالٌ يحتاج إلى جوابه‏.‏

باب‏:‏ المُسَافِرِ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيرُ يُعَجِّلُ إِلَى أَهْلِه

واعلم أنَّ واقعة ابن عمر هذه واحدةٌ قطعًا، وهي على نظر الحنفية، وليس فيها الجمع حقيقة، كما هو مصرَّحٌ عند أبي داود‏.‏ ويقضي العجبُ من مثل الحافظ حيث ادَّعى أنهما واقعتان، مع اتحاد مادة القِصتين‏.‏

كتاب‏:‏ المُحْصَر

باب‏:‏ المُحْصَرِ وَجَزَاءِ الصَّيد

باب‏:‏ إِذَا أُحْصِرَ المُعْتَمِر

باب‏:‏ الإِحْصَارِ في الحَج

واعلم أن الإِحصار عندنا، وعند جماعة من السلف، وأهل اللغة عامٌ للمرض والعدو، كما نُقل عن الفَرَّاء أيضًا‏.‏ وعند الشافعية يختص بالعدو‏.‏ وادَّعى بعضٌ من الحنفية أنَّ المحصرَ لا يقال إلا في المرض، أما في العدو فيقال له‏:‏ محصورٌ، لا محصر‏.‏ قلتُ‏:‏ وليس بجيد، فإنَّ الآية حينئذٍ تقتصر على المرض، مع أنها نزلت في العدو بالاتفاق، فإنَّها نزلت في قصة الحُدَيْبِيَة، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلّم فيها مريضًا‏.‏

وههنا دقيقةٌ، وهي أنَّ اللفظَ قد يُشتهر في نوع من الجنس، ثم يرد استعماله في نوع آخر من ذلك الجنس، أو في الجنس بعينه، فيجعله الناس مقابِلا كالإِحصار، فإنَّه عامٌ للمرض والعدو، إلا أنه اشتُهر الإِحصار في المرض، والحصر في العدو، حتى تذهب أوهام العامة، أنهما متقابلان، فجعلوا الإِحصارَ مختصًا بالمرض، والحصرَ بالعدو ليس كذلك‏.‏ وإنما أخذ القرآن في النظم، واللفظ العام، لئلا يختصَ الحكمُ بالعدو، ويعم للمرض، والعدو كلاهما، ونظيره لفظ‏:‏ «كل» بالكاف الفارسية في اللغة الفارسية، فإنَّه عامٌ، ثم اشتهر في بعض أنواعه‏.‏ وهذا الذي عَرَضَ لهم في لفظ‏:‏ «الخمر» فاختلفوا فيه، كما رأيت‏.‏ والسر فيه ما قلنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏:‏ ‏{‏وَحَصُورًا‏}‏‏:‏ لا يأتي النساء‏)‏ ومر عليه الشيخ الأكبر، وقال‏:‏ إن زكريا عليه السلام لما رأى مريم عليها السلام، وما بها من نعمة الله، ظاهرًا وباطنًا، حيث كان يأتيها رزقها بُكرة وعشيًا، وكانت عفيفةً راغبةً عن النكاح، تعجب منها، وعند ذلك دعا أنْ يُرزَق ابنًا، فكان من أثر دعائه أنه أُعطي ولدًا حصورًا متجنبًا عن النكاح، كتجنبها عنه‏.‏

ثم اعلم أن الحكم في الإِحصار عندنا أنْ يبعثَ دمًا يُذبحُ بالحَرَم، ويُوَاعِده أنْ يذبحه يوم كذا، فإذا جاء ذلك يَحِل في مقام الحصر، ويقضي من قابل‏.‏ ودمُ الإِحصار لا يتقيد عندنا بالزمان فيجوز ذبحُه قبل يوم النحر، وإن تقيَّدَ بالمكان فلا يذبحه إلا في الحَرَم‏.‏ وقال الشافعية‏:‏ إن الإِحصار مختصٌّ بالعدو، ولا يتقيَّدُ دمُ الإِحصار عندهم بالمكان أيضًا، ولا يجب عليه القضاء‏.‏

وأصل النزاع في عُمرة الحُدَيْبِيَة‏:‏

فقال الحنفية‏:‏ إن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم قَضَاها من قابلٍ، ولذا سميت عُمرة القضاء، على أنَّ في السِّير أنه نادى في الناس عند خروجه لعمرة القضاء‏:‏ أن يذهبَ معه كلُّ من كان رافقه في عمرة الحديبية‏.‏

وقال الحجازيون‏:‏ القضاءُ فيه بمعنى الصلح، سميت به لأنَّه صالَحهم عليها من قابلٍ، وليس مقابلا للأداء‏.‏

ثم إنَّ الشافعية لما لم يكن عندهم الإِحصار بالمرض، اضطروا إلى إقامة باب آخر، وهو الاشتراط في الحج، كما في قِصة ضباعة بنت الزبير، فالمريض عندهم يُهِلُّ ويشترط‏:‏ اللهم مَحِلِّي حيث حبستني‏.‏ والحنفية لما عمموا الإِحصار استغنوا عن هذا الباب‏.‏ ووافقنا البخاري على ذلك أيضًا، فلم يخرجْ حديثَ الاشتراط في كتاب الحج، وأخرجه في كتاب النكاح‏.‏ وسيأتي الجوابُ عن الحديث في محله إن شاء الله تعالى‏.‏

باب‏:‏ النَّحْرِ قَبْلَ الحَلقِ في الحَصْر

باب‏:‏ مَنْ قالَ‏:‏ لَيسَ عَلَى المُحْصَرِ بَدَل

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 196‏)‏

خالف الإِمام الهُمَام أبا حنيفة، فإنَّ القضاء يجبُ عندنا مطلقًا، معتمرًا كان أو حاجًا، ولا قضاء عند الحجازيين للعمرة‏.‏ وأما على المحصر عن الحج فعليه قضاء اتفاقًا‏.‏ ويُستفاد من كلام ابن عباس أن القضاء عنده في حال الاختيار، فإن كان من عذرٍ سماويٍ، لا قضاء عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مالك وغيره‏:‏ ينحر هديه، ويحلق بأي موضع كان‏)‏، وعندنا يُشترط أنْ يبلغَ الهَدْي مَحِلَّه، فلا يذبحُ خارج الحرَمَ‏.‏ وعندهم يذبحُ حيث تيسَّر، بل حيث أُحْصِر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والحديبية خارج الحرم‏)‏، وعارضه الطحاوي عما روى عن محمد بن إسحاق‏:‏ أنَّ الحُدَيْبِيَةَ بعضها من الحرم، وأنه كان يُصلي بالحرم، وإن كانت خيمتُه مضروبةً في الحِل‏.‏ أقول‏:‏ وما ذكره الطحاوي صوابٌ بلا مِرْية، وحقٌّ بلا فِرْية، لما أخرجه البخاري في حديث طويل في تلك القِصة‏:‏ أن ناقتَه لما بلغت حدود الحرم خلأت ولم تدخلها، وعند ذلك قال النبيُّ صلى الله عليه وسلّم «حَبَسَها حابس الفيل» فدل على قُرْبه من الحرم جدًا‏.‏ وفي السِّير أنَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم حلق رأسَه فهبت ريحٌ، فطارت بأشعاره إلى الحرم، فدَلَّ هذا كله أنه كان من الحَرَمِ بمكان، لو أراد أنْ يذبحَ بالحرم لذبح فيه‏.‏ وإذن لا بد عند الكل أن يذبح بالحرم دون الحل، فإنَّه كان على مَكِنةٍ من ذبحه فيه، فأيُّ حاجةٍ إلى الذبح في الحِلِّ مع القدرة في الحرم‏؟‏‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَوْ صَدَقَةٍ‏}‏ وَهيَ إِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِين

باب‏:‏ الإِطْعَامُ في الفِدْيَةِ نِصْفُ صَاع

باب‏:‏ النُّسُكُ شَاة

واعلم أنَّ العبرةَ عندنا بالجنس، فإنْ كان بُرَّا فنصف صاع، وإن كان شعيرًا ونحوه فصاعٌ‏.‏ واعتبر المصنف الوزنَ، فَطَرَد بالنصف في الجميع‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَلاَ رَفَثَ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 197‏)‏

وترجمة الفسوق‏:‏ ابنى حوصله سى باهر هو جانا ومنه الفِسقُ‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجّ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 197‏)‏

كتاب‏:‏ جَزَاءِ الصَّيد

باب‏:‏ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَنَحْوِهِ، وقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمّداً‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏

أجمعوا أنَّه لا فرقَ بين التعمُّد والنسيان في وجوب الجزاء، فإنَّه للمَحَل دون الفعل، فيستوي فيه الأمران، والتقييدُ به لمزيد التقبيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏فَجَزَآء مّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ‏}‏‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، والخلاف فيه مشهور‏.‏ فقال الشيخان‏:‏ إن المأمور به أداء القيمة، وقوله‏:‏ ‏(‏‏{‏مِنَ النَّعَمِ‏}‏‏)‏ ليس بيانًا للجزاء، بل لما قتل، والمعنى أنَّ من قتل منكم من النَّعم فعليه جزاءٌ يماثله ويساويه في القيمة‏.‏

وقال محمد، وآخرون‏:‏ إن الأصلَ هو المِثْل الصُّوْري من الحيوانات، وحينئذٍ ‏(‏‏{‏مِنَ النَّعَمِ‏}‏‏)‏ بيانٌ للجزاء، وعند فقده يُعدل إلى المِثْل المعنوي، وهو القيمة‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏‏{‏يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ‏}‏‏)‏ يؤيدنا، فإنَّ القيمة هي التي تحتاج إلى حكومة ذوي عدل، وأما المِثْل صورة، فليس لهما فيه كثير دخل، ويمكن تقديره بالنظر حِسًا‏.‏ فإذا كان المِثْل عندنا على المثل المعنوي، فحينئذٍ يَشتري منه هديًا إلى الكعبة إن بلغت قيمتُه، وإلا فيتصدق به‏.‏ وعند محمد يرسلُ ذلك الحيوان الذي وجب عليه، وما ماثَلَه صورةً‏.‏

قوله تعالى‏:‏ ‏(‏‏{‏أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ‏}‏‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، ولما كان السياق في ذكر الإِحرام ومحظوراتِهِ، تبادر منه أن الحِلَّة فيه لفعل الاصطياد دون المصيد، فلا يكون دليلا للشافعية على حِلِّ جميع حيوانات البحر، كيف والله سبحانه لم يجعل كله طعامًا، بل جعل منه طعامًا، فقال‏:‏ ‏(‏‏{‏وطعامُه حِلٌّ لكم‏}‏‏)‏، فأحل الصيد، أي الاصطياد مطلقًا، ثم تَعَرض إلى ما يحل له أكله، فعبَّره عن الطعام، فدل على أن الأولى لم تكن فيها صفة الطعامية‏.‏

وبعبارة أخرى‏:‏ إن الله سبحانه لما ذكر حل الاصطياد أردَفه بذكر ما يحلُ منه أكله، فجعله لنا طعامًا‏.‏ وبعبارة أخرى‏:‏ أنه إذا أحلَّ لهم اصطيادَ ما في البحر مطلقًا أدَّاهم ذلك إلى حِلِّ المصيد أيضًا، فأشار إلى دفع هذا التوهم، بأن ليس جميعَه حلالٌ لكم، ولكن الحلال منه ما هو طعامٌ لكم، فالاصطياد حلال مطلقًا، والحلال للأكلِ ما هو طعامُه فقط‏.‏

ألا ترى أنَّ الله حرم علينا الخبائث مطلقًا، قال تعالى‏:‏ ‏{‏يُحِلُّ لكم الطيبات ويحرِّمُ عليكم الخبائث‏}‏، وكذا كلّ ذي ناب، وذي مَخْلب، ولم يفصِّل بينهما بكونه بحريًا أو بريًا، مع أنَّ العلة توجبُ العمومَ، وكذا لم يتوارث إلا أكل السمك، وهو الطعام في الأمم السالفة، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ‏}‏ ‏.‏‏.‏‏.‏إلخ‏(‏الأعراف‏:‏ 163‏)‏، فلم يذكر غير الحوت، وهي التي كانت في غداء موسى عليه السلام حين سافر إلى حيث لقي الخضر عليه السلام‏.‏ ولم يُعرف من الصحابة أكلُ شيءٍ من الحيوانات غير السمك‏.‏ والعنبر كان حوتًا، كما في البخاري، وحينئذ كفانا ما أحل الله سبحانه لنا من حيوانات البر، وليست لنا حاجةٌ أنْ نأكل سباعَ البحرِ وخبائثه‏.‏ وقد ذكرنا الكلام فيه في تقريرنا على الترمذي مبسوطًا‏.‏

باب‏:‏ إِذَا صَادَ الحَلالُ فَأَهْدَى لِلمُحْرِمِ الصَّيدَ أَكَلَه

ذهب جماعة من السلف إلى أنه لا يحلُ لحم الصيد للمحرِمِ مطلقًا سواء صاده أو صِيْد له، أو لم يصد له‏.‏ وقال الحجازيون بجوازه، بشرط ما لم يصدْ له‏.‏ ويجوز عندنا ما لم يُشِرْ، أو يُعن عليه، سواء صِيْد له أو لا‏.‏ والبخاري وَافقنا في المسألة، ولذا لم يخرج حديثَ الحجازيين، وأخرج حديثَ أبي قتادة، وهو حجةٌ للحنفية‏.‏ وليس في طريق منه أنَّه سأله أنه صَاده بنيَّتِهم أو لا‏.‏ مع أن المدارَ عند الشافعية، والظاهرَ من عادات الناس أنهم ينوون في مثله لرفقائهم أيضًا، سيما إذا كان الصيدُ كالحمار الوحشي، جسيمًا، يُشبِعُ جماعةً‏.‏ ومع أنه سأله عن دلالته وإشارته، فهذا وإن كان سُكوتًا، لكنه سكوتٌ في موضع البيان، فهو بيانٌ حكمًا‏.‏ أيّ بيان، ولو بسطته علمت أنَّه فوقَ البيان، فإنَّه يوجبُ السكوتَ من صاحب الشرع في موضع النطق، والعياذ بالله‏.‏

1821- قوله‏:‏ ‏(‏قايل السقيا‏)‏، وهو بالإِضافة، لأن الواقعةَ عند الرواية ماضيةٌ، وإن كانت عند إخبار الصحابي مستقبلا، إلا أن الكِسَائي لا يرى الإِضافَة ضروريًا في الماضي، تمسكًا من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَلْبُهُمْ بَسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالوَصِيدِ‏}‏ ‏(‏الكهف‏:‏ 18‏)‏‏.‏

باب‏:‏ إِذَا رَأَى المُحْرِمُونَ صَيدًا فَضَحِكُوا فَفَطنَ الحَلال

باب‏:‏ لا يُعِينُ المُحْرِمُ الحَلالَ في قَتْلِ الصَّيد

1822- قوله‏:‏ ‏(‏فجعل بعضهم يضحك إلى بعض‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وعند مسلم‏:‏ «يضحك إليّ»، وهو يُشعر بدلالتهم، ولم يخرجه البخاري، ولا توجدُ مسألة الضحك في كتبنا، هل هو من الدلالة عندهم أو لا‏؟‏‏.‏

1822- قوله‏:‏ ‏(‏تركته بتعهن‏)‏، وهو قائل السقيا‏.‏ ويُستفاد منه أن «تعهن» مقدَّمٌ على السُّقْيَا‏.‏ وتَعْهُن موضع يَقْرُب من المدينة، والسقيا قريب من مكة‏.‏ والسَّمْهُودي صرح بعكسه، وهو المعتمد في هذا الباب‏.‏ فالمعنى على ما ذهب إليه السَّمْهُودي‏:‏ أن أبا قَتَادة لقي رجلا من بني غِفار في جوف الليل، وكان يجيءُ من مكة، وكان في طريقه تعهن، فرأى النبي صلى الله عليه وسلّم في ذلك الموضع، وسار إلى المدينة حتى لقي أبا قتادة في السُّقيا، فأخبره، وقال له‏:‏ خبر النبي صلى الله عليه وسلّم هناك‏.‏ فالقائل من القول، لا من القَيْلُولة‏.‏

‏(‏فائدة لغوية‏)‏

باب‏:‏ لا يُشِيرُ المُحْرِمُ إِلَى الصَّيدِ لِكَي يَصْطَادَهُ الحَلال

والإِشارة في الحاضر، والدلالة في الغائب‏.‏ قال اللغويون‏:‏ الدِّلالة- بالكسر- في المعاني، والدَّلالة- بالفتح- في المحسوسات‏.‏

فزاد لفظ «الحي» إشارة إلى أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم ردَّه لكونه حيًا، لا لأنه علم أنه صاده له صلى الله عليه وسلّم فترك مذهب الشافعية، واختار مذهب الحنفية، ولم يُفَصِّل في النية أصلا‏.‏ قلتُ‏:‏ أولا إن حديث صَعْب بن جَثَّامَة فيه اختلاف، واضطرابٌ، فعند مسلمٍ أنَّه أهدِي قطعة منه، ولم يُبال به المصنف، وحمله على أنه كان حيًا‏.‏ ثم لا حجةَ لهم في قوله‏:‏ «إلا أنَّا حُرُمٌ»، لأنه لو كانت فيه حجة، لكان لبعض السلف الذين ذهبوا إلى حُرمة الأكل للمحرم مطلقًا بدون تفصيل في النية‏.‏ ويجوز لنا أن نحمله على الكراهة تنزيهًا، أو على سد الذرائع، لئلا يجعلَه الناسُ حِيْلة للأكل‏.‏

باب‏:‏ إِذَا أَهْدَى لِلمُحْرِمِ حِمَارًا وَحْشِيًا حَيًّا لَمْ يَقْبَل

باب‏:‏ ما يَقْتُلُ المُحْرِمُ مِنَ الدَّوَاب

قال الشافعية في قتل غير مأكول اللحم من الحيوانات، وهو المَنَاط عندهم، في خمس‏.‏ وقال مالك‏:‏ بل المَنَاط العدو‏.‏ وهو أقوى من مناط الشافعية، لأنه أخذ في النطق المؤذيات، فمعنى الإِيذاءُ فيها ظاهر، بخلاف الأكل، فلا شيء في قتل السَّبُع العادي‏.‏ واقتصر الحنفية على المنصوص، ويقتل غيرُه من السِّبَاع عند العدو، وإلا لا، وسها مولانا فيض الحسن؛ فأباح قتل السَّبُعِ العادي مطلقًا، سواء عدا بالفعل أو لا‏.‏ وليس هذا مذهبنا، والصواب ما قررنا‏.‏

واعلم أنه قال صاحب «الهداية» مجيبًا عن قياس الشافعية‏:‏ إن القياس على الفواسق ممتَنِعٌ، لما فيه من إبطالِ العدد، فزعم بعضهم أنه اعتُبر بمفهوم العدد‏.‏ قلتُ‏:‏ مراده عبرة العدد في خصوص هذا الموضع لدَلالة الدلائل الخارجية، لا على طريق الضابِطَة الكلية‏.‏

1828- قوله‏:‏ ‏(‏الكلب العقور‏)‏، الكلب أهلي ووحشي، وهما سواءٌ في الحكم، إلا أنَّ المرادَ منه في الحديث الوحشي، عند ابن الهمام، لأنه من الصُّيُود‏.‏ وعندي المراد منه الأهلي الذي اعتاد العقر، وهو المعروف، لأن ملابسةَ المحرمِ إنما هي منه دون الوحشي، وإن كان الحكم فيهما سواء‏.‏ وفي «الهداية»‏:‏ لا شيء بقتل الذئب أيضًا عند أبي يوسف‏.‏ قلتُ‏:‏ وليس هذا تنقيحًا للمناط، بل هو إلحاقٌ له بالكلب، لأنه لا فرقَ بينهما إلا بكون الكلب أهليًا، والذئب وحشيًا، وإلا فيتشابهان صورة‏.‏ وقال زُفَر‏:‏ لا شيء بقتل الأسد‏.‏ قلتُ‏:‏ وهذا أيضًا ليس بتنقيحٍ للمناط، فإنَّ الكلبَ أُطلق على الأسد أيضًا، كما في قوله صلى الله عليه وسلّم «اللهم سلط عليه كلبًا» فسلط عليه أسدًا‏.‏‏(‏1‏)‏‏(‏2‏)‏‏.‏

والحاصل‏:‏ أنَّا لم نعملْ بتنقيح المناطِ، واقتصرنا على عدد المنصوص‏.‏

1829- قوله‏:‏ ‏(‏الغراب‏)‏ وعند مسلم‏:‏ «الأبقع»، كما في «شرح الوقاية»‏.‏ وهو عندي قيد اتفاقيٌّ، فإن الغراب من المؤذيات شرعًا، كيفما كان‏.‏

1830- قوله‏:‏ ‏(‏في غار بمنى- إلى أن قال ‏:‏ إذ وثبت علينا حية‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وعند النسائي‏:‏ «أن النبي صلى الله عليه وسلّم أمر بحرقِ جُحْرِها عليها»، ولذا ذهب أحمد إلى أنَّ إحراق الأشياء المؤذية جائز، وبه أفتى بجواز إحراق الزنابير وغيرها من المؤذيات‏.‏

1831- ‏(‏قال أبو عبد الله‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وفي الفقه أن المحرمَ إذا جنى في الحرم هل تعدَّدُ تلك الجناية أو لا‏؟‏ إلا أن البخاري انتقل من مسألة الإِحرام إلى الحرم، كما تُشعر به عبارتُه‏.‏

باب‏:‏ لا يُعْضَدُ شَجَرُ الحَرَم

باب‏:‏ لا يُنَفَّرُ صَيدُ الحَرَم

وراجع «البحر» لشرائطه‏.‏

1832- قوله‏:‏ ‏(‏إن الحرم لا يعيذ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وقد مر أن قول أبي شُرَيح الصحابي حجة للحنفية‏.‏ وقول عمرو بن سعيد الظالم حجةٌ للشافعية‏.‏

باب‏:‏ لا يَحِلُّ القِتَالُ بِمَكَّة

قوله‏:‏ ‏(‏ولكن جهاد ونية‏)‏ أي إن مكة صارت دارَ الإِسلام، فلا هجرة منها بعد اليوم، لكن الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة، فإِذا دُعيتم إليه فاخرجوا بالنية الحسنة‏.‏

باب‏:‏ الحِجَامَةِ لِلمُحْرِم

فإِن حَلَق الشعر تصدَّقَ، وإلا لا‏.‏

باب‏:‏ تَزْوِيجِ المُحْرِم

ذهب الأئمة الثلاثة إلى عدم جوازِ نكاح المحرم‏.‏ وذهب أبو حنيفة إلى جوازِهِ، غير أنه قال‏:‏ إنه لا يدخل بها ما لم يَحل‏.‏ وللجمهور حديث النبي صلى الله عليه وسلّم مرفوعًا، أخرجه مسلم، وغيره‏:‏ «لا يَنْكِح المحرم، ولا يُنكَح»‏.‏

قلنا‏:‏ إن النكاحِ كالخِطبة، فإذا لم تكن الخِطبة عندكم على معنى البطلان، فكذلك النكاح، وإنما النهيُ عنه، لأنَّ الأليقَ بشأن المحرم، أن لا يشتغِلَ بمثل هذه الأمور، ولا يقصِدُ بسفره إلا الحج‏.‏ وأنت تعلَم أن النكاح لم يُشرع إلا لمقاصِدِه من الجماع وغيره، فإذا نُهي عن الجماع نُهي عن النكاح، لا لمعنى النهي فيه، بل لأنه إذا تزوج ربما أمكن أن تطمعَ نفسُه فيما نَهى الله عنه أيضًا‏.‏ والمقصودُ في هذا السفر أن ينقطعَ إلى الله بشراشره، ولا تتحدثَ نفسُه بشيءٍ سوى ذكرُه، فيكون له جِوار إلى الله، وصُراخ بالتلبية لا غير، وحداثَةُ عهده بالنكاح يخالِفُ هذا التبتل‏.‏

هذا هو معنى النهي عندنا، ألا ترى أنه نُهي أن يخطِب، وأنت لا تقوله‏:‏ إنه حرام، بل تحمِلُه على معنَى ما حملنا عليه الجملَة الثانية، فالقولُ بصحة الخِطبة، وبطلان النكاح فكٌّ في النظام، ونقضٌ للاتساق‏.‏

ثم نقول‏:‏ إن أصلَ النزاع في تزوجه صلى الله عليه وسلّم ميمونة، واختلفت فيه الروايات، ففي بعضها‏:‏ «أنه تزوجها وهو حلال»، كما يرويه أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكان هو الرسولُ بينهما، ويزيد بن الأصم، وهو ابن أخت ميمونة‏.‏ وترويه هي أيضًا‏.‏ مع أنَّها صاحبةُ الواقعة‏.‏ وفي بعض الروايات‏:‏ «أنه تزوجها وهو محرم»، كما يرويه ابن عباس، واحتج الخصوم بالأولى، والحنفية بالثانية‏.‏

والجواب أنَّا نُسلِّمُ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم أرسلَ أبا رافع للخِطبة، ولكنَّ ميمونةَ كانت وكَّلت بأمر نكاحها عباسًا، فكان هو العاقد، وأنت تعلمُ أنَّ الرسول سفيرٌ محضٌ، بخلاف الوكيل، فإنَّه يتولَّى أمر النكاح، وبلسانه يجري العقد والفسخ، فالعبرةُ به أولى‏.‏ ومن ههنا تبين أن قولَ ميمونة أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم تزوَّجَها وهو حلالٌ، لا يوازي قول ابن العاقد، فإنَّها إذا فوضت أمرها إلى غيرها، لم تعلم بأمر النكاح إلا عند البناء، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلّم إذ ذاك حلالا‏.‏

أما ابن عباس فكان ابن العاقد، فعنده زيادةُ خبرٍ، ووثاقةٌ على ما فعله أبوه‏.‏ ويروى هو أنه تزوجها وهو محرمٌ، مع أنه خِلاف أمر الحج، فلا يقول إلا أن يكون عنده علمٌ كالعيان، ولذا رجح البخاري حديثَه، ولم يخرج حديثَ الخصوم، وإن أخرجه مسلم، فالبخاري وافَقَنَا في المسألة‏.‏ وهذا من دأبه القديم، أنه إذا اختارَ جانبًا ذهب يهدِر الجانب الآخر، ويجعله كأنه لم يكنْ شيئًا مذكورًا، فلا يخرجُ له حديثًا، كأنه أمرٌ لم تَرِدْ به الشريعة‏.‏

وكذا يزيد بن الأصم لا يعارضُ حديثه حديث ابن عباس، حتى قال عمرو بن دِينار حين روى ابن شهابٍ حديثَ يزيد‏:‏ أتجعلُ أعرابيًا بوالا على عقبيه، إلى ابن عباس‏؟‏، وهي خالة ابن عباس أيضًا، كذا في «الدارقطني»‏.‏

وههنا دقيقةٌ أخرى قلّ من تنبه لها، وهي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم لم يباشر العقدَ بنفسه الشريفة، بل وكل به عباسًا، احترازًا عن صورة العقد بنفسه، وهو محرم، فأحبَّ أن يعقِدَ غيره، لئلا يكون ناكحًا صورةً، فاحترز عنها بقدر الإِمكان، فسبحان الله هذه مدارك الأنبياء عليهم السلام، ولا ينكشفُ الغِطاء عن وجه المقصود ما لم يتبين أنَّ تزوُّجه كان ذاهبًا إلى مكة أو آيبًا منها، فإن كان الأول، تعيَّن كونه في الإِحرام، وإن كان الثاني فلا يكون إلا وهو حلال‏.‏ وقد ذكر الطحاوي في «مشكلة» في تحرير القِصة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم أرسل أبا رافع إلى ميمونة للخِطبة، وكانت بمكة، فوكلت أمرها إلى عباس، فخرج النبيُّ صلى الله عليه وسلّم من المدينة، وخرج عباس من مكة ليستقبلَ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم فتلاقيا بسَرِفٍ، فنكحها إياه في سرف، كما هو عند أبي داود‏.‏

وإن كان يخالفه مع عند مالك في «موطئه»، ففيه‏:‏ «أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعث أبا رافع مولاه، ورجلا من الأنصار، فزوَّجاه ميمونةَ بنت الحارث، ورسول الله صلى الله عليه وسلّم بالمدينة، قبل أنْ يخرج»‏.‏ اهـ‏.‏ أي إلى مكة لعمرة القضاء، إلا أن الأكثر والأشهر كما عند أبي داود‏.‏

وسَرِف موضع بعشرة أميال من مكة‏.‏ وكان ذلك في عمرة القضاء، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم قاضاهم في عمرة الحُدَيْبِيَة أنه يعتمرُ من قابل، ويقيمُ بها ثلاثًا، فما يدل على أنَّ أمر تزوُّجِها بسَرِفٍ إنما كان حين قدومِهِ إلى مكة، ما أخرجه الطحاوي عن ابن عباس‏:‏ «أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم تزوج ميمونةَ بنت الحارث، وهو حرام، فأقام بمكة ثلاثًا»، فأتاه حويطب بن عبد العزى في نفر من قريش في اليوم الثالث، فقالوا‏:‏ إنه قد انقضى أجلك، فاخرج عنا، فقال‏:‏ «فما عليكم لو تركتموني فعرَّستُ بين أظهركم، فصنعنا لكم طعامًا، فحضرتموه»، فقالوا‏:‏ لا حاجة لنا في طعامك، فاخرج عنا، فخرج نبي الله صلى الله عليه وسلّم وخرج بميمونة حتى عرس بسَرِف سرف‏.‏ اهـ‏.‏

ففيه دليل على أنَّه قد كان تزوجها من قبلُ حين دخل مكة، ولذا دَعاهم إلى الوليمة، ولما لم يتركوه إلا أن يخرج، نزل بسَرِف، وأولم بها، وكذا يدل عليه ما عند الترمذي‏:‏ «أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم تزوجها وهو حلالٌ، وبنى بها حلالا‏.‏ وماتت بسَرِف، ودفناها في الظلة التي بنى بها فيها» اهـ‏.‏

وتعجب الراوي على كون الأمور الثلاثة في موضع واحد‏.‏ قال مولانا شيخ الهند‏:‏ وإنَّما يصحُّ التعجب إذا كانت تلك الوقائعُ في أسفارٍ كذلك، فالمعنى أنه تزوجها وهو ذاهب إلى مكة، وبنى بها وهو راجع إلى المدينة، ثم ماتت بها في سَفْرةٍ أخرى، وهذا مما يتعجب منه لا محالة، فإِذا ثبت أنَّه تزوجها في سفره إلى مكة، ثبتَ أنه تزوجها وهو محرمٌ، لأنك قد علمت أن سَرِفَ قريبٌ من مكة، وميقاتُ أهل المدينة ذو الحليفة، فلا بد أن يكون محرمًا عند سَرِف، وإلا يلزمُ مجاوزةُ الميقات بدون إحرام‏.‏

فإِن قلت‏:‏ فكيف بأمر أبي قتادة‏؟‏ فإنه اصطاد حِمارًا وحشيًا، وقد كان دَخَلَ الميقاتَ، ولذا كان أصحابه محرمين‏؟‏ قلنا‏:‏ إن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم بعثه لحاجة، فذهب إلى طريقٍ غير طريقهم، ولم يتفق له المرور بميقاتهم، فلذا كان هو حلالا، وأصحابه محرمين‏.‏

وما قالوا‏:‏ إن المواقيتَ لم تكن تعينت بعد، فلا يلزمُ مرورُه منها بدون إحرام، فذاك مردودٌ بحديث البخاري، فإِنه يدل على أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم لما خرج لعمرة الحُدَيْبِيَة السنة السادسة، أحرمَ من ذي الحُلَيْفة، فدل على تَعيُّنِ الميقات‏.‏ وإذا ثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم تزوجها وهو محرم، ثبت أنه لا بأس بتزوج المحرم، وهذا ما أردنا‏.‏ وتأوَّل ابن حِبان حديثَ ابن عباس، فقال‏:‏ إن المحرم بمعنى الداخل في الحَرَمِ، كقولهم‏:‏ أعرق وأنجد، وكقول الشاعر‏:‏

قتلوا ابنَ عفانَ الخليفةَ مُحرِمًا *** فدعا، فلم أرَ مِثْلَهُ مخْذَولا

ومعلوم أنه لم يكن إذ ذاك محرِمًا من الإِحرام، كيف وأنه كان بالمدينة، فمعناه أنه كان داخل الحرم‏.‏ قلتُ‏:‏ وردَّه الأَصمعي، وهو عند الرشيد، كما حكاه الخطيب في «تاريخه»، وقال‏:‏ أين أنت من مرادِ الشاعر، ليس فيه المحرمُ على ما أردت، بل معناه ذي حُرمة، على حد قوله‏:‏

قتلوا كِسْرى بليلٍ مُحْرِمًا *** فتولَّى، ولم يمتع بالكَفَنِ

والأَصمعي هو عند الملك اللغوي، من رواة مسلم‏.‏ ومما يدلك على أنَّ المحرمَ ليس بمعنى الداخل في الحرم ما عند مسلم، قال يزيد بن الأصم‏:‏ «نكحها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وهو حلال»‏.‏ وقال ابن عباس‏:‏ «إنه نكحها وهو محرم»، فدل التقابل على أن المرادَ من الإِحرام ضد الحلال، كيف وقد صح عن عائشة أنَّه نكحها وهو محرم، ونحوه رُوي عن أبي هريرة، فكيف يمكنُ أنْ يتفقَ هؤلاء كلهم على اللغة العربية‏؟‏ نعم، للمجادِل مجال وسيعٌ‏.‏

باب‏:‏ ما يُنْهى مِنَ الطِّيبِ لِلمُحْرِمِ وَالمُحْرِمَة

باب‏:‏ الاِغْتِسَالِ لِلمُحْرِم

وقد علمت أنَّ الطيبَ قبل الإِحرام جائزٌ عندنا، وإن بقي ريحُه وجِرمُه، وكذا للتداوي بعد الإِحرام، فاستقام التبعيض على طريقتي أيضًا‏.‏

1838- قوله‏:‏ ‏(‏ولا تنتقب المرأة‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، اختُلف في رفع هذه الجملة ووقْفِها، ولم يقض المصنفُ فيه بشيء‏.‏ ويمكن أن يكون مال إلى الوقف‏.‏ ولنا أن نقول‏:‏ إن النِّقَاب إذا كان مجافيًا عن الوجه، فلا بأس به عندنا أيضًا‏.‏

باب‏:‏ لُبْسِ الخُفَّينِ لِلمُحْرِمِ إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَين

وفي بعض الروايات‏:‏ «وليقلعهما أسفل من الكعبين»، فهو عندنا على الوجوب، وعند أحمد على الاستحباب‏.‏

باب‏:‏ إِذَا لَمْ يَجِدِ الإِزَارَ فَليَلبَسِ السَّرَاوِيل

1843- قوله‏:‏ ‏(‏ومن لم يجد الإزار فليلبس السراويل‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، قال الطحاوي‏:‏ ويلبَسُه بعد الفتق، ولا جزاء، وإلا فعليه الجزاء‏.‏

باب‏:‏ لُبْسِ السِّلاحِ لِلمُحْرِم

ولم يذكر له حكمٌ في كتبنا، وجوزه المصنِّفُ مطلقًا‏.‏ قلتُ‏:‏ وينبغي فيه التفصيل بين ما غطَّى الرأس، وبين ما لم يغطه، كما في اللباس‏.‏

1844- قوله‏:‏ ‏(‏حتى قاضاهم‏)‏، به استدل الشافعية على أنَّ عمرةَ القضاءِ بمعنى الصلح، لا بالمعنى المقابل للأداء‏.‏

قد علمت ما فيه من المذاهب، وكذا الجواب عن استدلال الخصوم‏.‏ ولعل المصنفَ اختار مذهب الشافعية‏.‏ ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلّم في فتح مكة‏:‏ «ولا يحل لأحدٍ بعدي»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، فهو عندي في القتالِ والدخولِ بلا إحرام كليهما، فإنَّه دخلها، وعلى رأسه المغفر لأنه لم يكن محرمًا يومئذٍ، ولذا أعلن أنه من خصائصه في ذلك اليوم، ولا يحل لأحد بعده أن يقاتل بها‏.‏ ويدخلُ فيه دخوله بدون إحرام عندي، فكان الأمران خاصةً له في ذلك اليوم‏.‏

باب‏:‏ دُخُولِ الحَرَمِ وَمَكَّةَ بغَيرِ إِحْرَام

1845- قوله‏:‏ ‏(‏من أراد الحج والعمرة‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، قلتُ‏:‏ ولما كان الحجُّ والعمرةُ واجبين في العُمْر مرةً، ولم يكن لهما وقتٌ معينٌ في هذه السنة، أو هذه السنة، ناسبَ لفظ الإِرادة، فلا يدل على عدم وجوب الحج والعمرة، بل الإِرادةُ بحَسَب الانتشار في زمن أدائهما‏.‏ فمن أراد أن يحج في هذا العام حجَّ، ومن أراد أن يحج من قابلٍ، فله في ذلك أيضًا سَعة‏.‏ وحينئذ لَطُف فيه لفظ الإِرادة جدًا‏.‏

باب‏:‏ إِذَا أَحْرَمَ جاهلا وَعَلَيهِ قَمِيص

والمصنف أباح نَزْعَها ولو بالتغطية، واعتبرَ الجهلَ عُذرًا في مواضع عديدة‏.‏ وعندنا يَنزِعُها بالشق‏.‏ قلتُ‏:‏ وإن اعتبرَ المصنِّفُ الجهلَ والنِسيان عذرًا في تلك المسألة، فما يقول في قتلِ الصيد‏؟‏ فإنَّ الجمهور اتفقوا فيه على وجوب الجزاء مطلقًا، والكلام فيه مر منا مبسوطًا في العلم، فراجعه‏.‏

باب‏:‏ المُحْرِمِ يَمُوتُ بِعَرَفَةَ، وَلَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم أَنْ يُؤَدَّى عَنْهُ بَقِيَّةُ الحَج

باب‏:‏ سُنَّةِ المُحْرِمِ إِذَا مات

وعندنا تفصيلٌ بالوصية وعدمها، فإنْ أوصى يجبُ على الورثة أنْ يحجُّوا عنه من ثُلُثِ ماله، وإلا لا‏.‏

باب‏:‏ الحَجِّ وَالنُّذُورِ عَنِ المَيِّتِ، وَالرَّجُلِ يَحُجُّ عَنِ المَرْأَة

فيحج عنه الورثة فيما إذا أوصى وترك مالا‏.‏ ومعنى النذر فيما إذا نذر به الميت في حياته، فلم يقدِر على أدائه حتى مات، فقضى عنه آخر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والرجل يحج عن المرأة‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، يعني أن الرجل يحج عن المرأة وبالعكس‏.‏ ولا يُشترط أنْ يحجَّ عن الرجل الرجل، وعن المرأة المرأة، مع ثبوت الفرق بين محظورات إحراميه‏.‏

1852- قوله‏:‏ ‏(‏حجي عنها‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، واعلم أنَّ العبادات إما بدنيةٌ مَحضة، أو مالية صِرفة، أو ذو حظ من الطرفين‏:‏ فالأول‏:‏ كالصلاة والصوم، ولا تجري فيها النيابةُ مطلقًا، لأن المقصود منها إتعابُ النفس، وذا لا يحصل إلا بفعله‏.‏ والثاني‏:‏ كالزكاة، وتحري فيها النيابة مطلقًا، لحصول المقصودِ، وهو أداء الحق إلى مستحقِّه‏.‏ والثالث‏:‏ كالحج، وتجري فيها النيابة عند العذر فقط‏.‏

باب‏:‏ الحَجِّ عَمَّنْ لا يَسْتَطِيعُ الثُّبُوتَ عَلَى الرَّاحِلَة

وهذه مسألة أخرى، ويُقال لها‏:‏ مسألة المعضوب‏.‏ قيل‏:‏ إن المعضوب إذا لم يقدر على ركوبِ الراحلة، فمن أين جاء الوجوب‏؟‏ فقيل‏:‏ ليس عليه نفس الوجوب‏.‏ وقيل‏:‏ بل وجوب الأداء ساقطٌ عنه‏.‏ والمسألة دائرةٌ بين الإِمام وصاحبيه وتعرض إليه الشيخ ابن الهمام في «الفتح»‏.‏

باب‏:‏ حَجِّ المَرْأَةِ عَنِ الرَّجُل

وإنما تعرَّض إليه البخاري بخصوصِهِ لمكان النقصان في حج المرأة من حيث عدم جهرها بالتلبية، وعدم الرَّمَل في الطواف، والسعي على هيئتها فهل تنوبُ عن الرجل مع هذا النقصان‏؟‏‏.‏

باب‏:‏ حَجِّ الصِّبْيَان

واعلم أنَّ عبادات الصبيان كلها معتبرةٌ عندنا، نعم تقع نفلا عنه وعليه حجَّةٌ ثانية بعد البلوغ، ولا ينوب حجُّه في صِباهُ عن حَجَّةِ الإِسلام‏.‏ وسها فيه النووي حيث نسب إلينا بطلانَ حجه‏.‏

باب‏:‏ حَجِّ النِّسَاء

ولم يأذن عمر لأمهات المؤمنين أن يحججنَ بعد النبيِّ صلى الله عليه وسلّم ويخرجن من البيوت، لكون حِجَابهنَّ حجابَ الشخص، مع أنهنَّ قد فرغن عنه في حياة النبي صلى الله عليه وسلّم ثم لما أسنَّ وقعَ رأيُه أن يُجيزهنَّ بالحج، فأذِن لهنَّ، وبعث معهن عبد الرحمن، وعثمان ليكون أحدهما قُدَّامهن، والآخر خلفهن كرامة لهنَّ، وإظهارًا لشوكة حَرَمِ رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقد استفدت من بعض الحكايات أنَّ الصحابة لم يكونوا يعملون بالاجتهاد في مقابلة خليفة الإِسلام، فهذه عائشة التي ردت على كثير من الصحابة رضي الله عنهم، لم تقل لعمر شيئًا‏.‏ وفي النقول أنها كانت تأمرُ السائل أنْ يذهبَ إلى عثمان، فيستفسره عما جاء به إليها‏.‏

1862- قوله‏:‏ ‏(‏لا تسافر المرأة‏)‏، وقد مر مني أنَّ الحديث ورد في الأسفار العامة، والمحدثون يخرجُونه في سفر الحج‏.‏

باب‏:‏ مَنْ نَذَرَ المَشْيَ إِلَى الكَعْبَة

قال الحنفية‏:‏ إن من نذر المشي إلى الكعبة يلزمُه حجٌ أو عمرة، لاشتهاره في العرف لأحدهما، فإنَّ المشي ليس عبادةً مقصودةً، فإن ركبَ فيه يلزمه الجزاءُ لإِدخال النقيصَة في حجه‏.‏ وذكر الطحاوي أنَّ عليه الهَدْي لتركِ المشي، والكفارة للحنثِ، واستدل عليه بالرواية، ولم يذكره غيره‏.‏

كتاب‏:‏ فَضَائِلِ المَدِينَة

باب‏:‏ حَرَمِ المَدِينَة

وفي كتب الحنفية، كما في «الدر المختار»‏:‏ أن لا حَرَمَ للمدينة، مع ثبوته في الحديث ثبوتًا لا مردَّ له‏.‏ وعندي هو قصورٌ في التعبير فقط، والأولى أن يقال‏:‏ إن لها حرمًا، ولكن لا كحرم مكة، فإنَّ له أحكامًا ليست لحرم المدينة‏.‏ ومن ادّعى اتحاد الأحكام بين الحرمين يحتجُ عليه بالتعامل، فيا أسفي على تعبيراتهم تلك، ولو أصلحوها لم يرد عليهم ما أوردَ عليهم الخصوم، فإنَّ الحق قد يعتريه سُوءُ تعبير، فإنَّ التعاملَ لم يُجر إيجابَ الجزاء على من قطع أشجار الحرم‏.‏

كيف وقد أمر النبيُّ صلى الله عليه وسلّم بقطعِ الأشجار عند بناء مسجده المبارك بنفسه، وإنما نهى عن قطعِ الأشجار التي منها بهاء الحرم وخضرته وزهرته‏.‏ وما عند مسلم‏:‏ أن سعد بن أبي وقاص أخذ ثياب غلامٍ رآه يقطعُ شجر الحرم، وأبى أنْ يردَّها على مولاه، وقال‏:‏ إنها طعمةٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلّم فليس من باب إيجاب قيمته أصلا، بل هو تعزيزٌ مالي فقط، ألا ترى أنه لم يذهب أحد في حرم مكة إلى أنَّ من قطعَ شجرةً تُسلب عنه ثيابه، فكيف بحرمِ المدينة‏؟‏ وإنما الواجبُ عليه قيمته لا غير، فهذا باب آخر‏.‏

ولعل المصنِّفَ أشار إلى الفرق بين الحرمين، كما قلنا، ولذا أخرج قطعَ النَّخْل بعد النهي عن قطع الشجر، ليدل على أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم إنما أمر بقطعِ النخل لمكان الضرورة، فهو جائزٌ إذا دَعَته حاجةٌ ولا جزاء‏.‏ وإذن لا يكون معنى النهي إلا أن يذهبَ القطعُ بزينة الحرم‏.‏ ولو كان النهي لمعنى الحرمِ لاستوى الأمر في الحاجة وغيرها‏.‏ ألا ترى أنه لا يجوزُ قطع شجر الحرم لأجل الضرورة أيضًا، ومن قطعه وجبَ عليه الجزاءُ، ولا كذلك حرمُ المدينة، فالنهي فيه لمعنى الزينة إن شاء الله تعالى‏.‏

1870- قوله‏:‏ ‏(‏ما بين عائر إلى كذا‏)‏، وفي لفظ‏:‏ «عير، وإلى كذا» أي إلى ثَوْر‏.‏ قال صاحب «القاموس»‏:‏ إن ثور جبلٌ بمكة، فكنت متحيرًا فيه، إذ دلني أعرابي أنه جبلٌ خلف أحد بالمدينة أيضًا‏.‏

1870- قوله‏:‏ ‏(‏من أحدث فيها حدثًا‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، أي الجبايات التي تجبي إلى الإِمام، وهي المحاصيل، على نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ الآية‏)‏، وفسر الإِلحاد بالظلم‏.‏ وأما قوله تعالى‏:‏‏{‏إن الذين يلحدون في أسمائه لا يخفون علينا‏}‏،‏)‏، فالمراد من الإِلحاد في الأسماء، إبقاءُ الألفاظ بحالها مع التحريف في معانيها، وحقائقها، كما يفعله القادياني الشقي اللعين‏.‏

1870- قوله‏:‏ ‏(‏لا يقبل منه صرف ولا عدل‏)‏ قيل في تفسيره‏:‏ فريضةٌ ولا نافلةٌ‏.‏ وقيل‏:‏ نقدٌ ولا عَرَضٌ، والأول أشهر‏.‏ وعندي هو محاورةٌ لا تنكشِفُ حقيقتُها ما لم يراجع إلى كلام الجاهلية‏.‏

باب‏:‏ فَضْلِ المَدِينَةِ، وَأَنَّهَا تَنْفِي النَّاس

باب‏:‏ المَدِينَةُ طَابَة

باب‏:‏ لابَتَي المَدِينَة

فيه عموم غير مقصود، فلا يردُ أنَّ بعضَ الفُساق كانوا فيها إلى وفاتهم‏.‏

1871- قوله‏:‏ ‏(‏يقولون‏:‏ يثرب‏)‏، وقد مر الكلام فيه‏.‏ وأما قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يأَهْلَ ‏.‏يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ‏}‏ فهو حكاية عن قولهم، لا إطلاقٌ من جهتِهِ‏.‏

باب‏:‏ مَنْ رَغِبَ عَنِ المَدِينَة

قوله‏:‏ ‏(‏العواف‏)‏ هي الحيوانات التي تنزل إلى البلد تطلب الرزق‏.‏

1874- قوله‏:‏ ‏(‏فيجد أنها وحوش‏)‏، وكنا نفهمُ أولا أن المرادَ منه خرابُ المدينة حتى تسكُنَ بها الوحوش، ثم بدا أنَّ المعنى أنَّ الغنم تصيرُ وحُوشًا، كوحوش الحيوانات، فلا تستأنِسُ بأهلها‏.‏

واعلم أني أجد كثيرًا من الصحابة انتشروا في الأرض، ولما حضر أجلهم رجعوا إلى المدينة وماتوا بها‏.‏

باب‏:‏ الإِيمَانُ يَأْرِزُ إِلَى المَدِينَة

باب‏:‏ إِثْمِ مَنْ كادَ أَهْلَ المَدِينَة

باب‏:‏ آطَامِ المَدِينَة

ولم أزل أتفكر ما وجْهُ الشَّبَه بين الدين والحية حتى شبه بها، فرأيت في «حياة الحيوان» أنَّ من خصائص الحيةِ الرجوعَ إلى جُحْرِها، ولو قطعت الصحاري والبراري، وهذا هو حال الدين، يأرز إلى المدينة، مع انتشاره بين خوافق السماء والأرض‏.‏

باب‏:‏ لا يَدْخُلُ الدَّجَّالُ المَدِينَة

باب‏:‏ المَدِينَةُ تَنْفِي الخَبَث

1879- قوله‏:‏ ‏(‏لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ واعلم أنَّ في بعض الروايات‏:‏ «ولا الطاعون إن شاء الله تعالى»، فكلمة الاستثناء تتعلق بالطاعون فقط، لا بالدجال، فإنَّ الشقي الدجال لم يدخلها، ولن يدخلَ حتى يلجَ الجملُ في سَمِّ الخِيَاط، فإن اطلعتَ في لفظ على كلمة الاستثناء مع عدم دخول الدَّجال أيضًا، فاعددْه من تقديم الرواة، وتأخيرهم، وهي بالحقيقة بالطاعون‏.‏

1879- قوله‏:‏ ‏(‏لها يومئذ سبعة أبواب‏)‏، والمدينة لم يكن لها سورٌ في زمن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم حتى بناه السلاطين، وهي يومئذٍ لها سبعة أبواب، كما أخبر بها الصادقُ المصدوق صلى الله عليه وسلّم

1882- قوله‏:‏ ‏(‏رجل هو خير الناس‏)‏ قال المحدثون‏:‏ إنه الخَضِرُ عليه السلام‏.‏ وعندي هو رجل آخر من الصالحين، ولي عليه قرائن‏.‏

1884- قوله‏:‏ ‏(‏فنزلت‏{‏فَمَا لَكُمْ فِى الْمُنَفِقِينَ فِئَتَيْنِ‏}‏‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، واعلم أن قِصة نزول الآية قِصةٌ على حِدَة، ليس فيها قول النبي صلى الله عليه وسلّم «إنها تنفي الدجال»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ؛ والراوي جَمَعَ بينهما، فأوهم نفي هؤلاء المنافقين عنها، مع أن كثيرًا منهم ماتوا بالمدينة‏.‏

والتفصيلُ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لما خرج لغزوة أحدٍ رجعَ أناس ممن صاحبوه، وكانوا منافقين، فاختَلَف الصحابة فيهم، فقال بعضهم‏:‏ نقتلهم، وقال آخرون‏:‏ لا نقتلهم، فنزلت الآية‏:‏ ‏{‏فَمَا لَكُمْ فِى الْمُنَفِقِينَ‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، فالقِصة كانت هذه، ولم يقل النبيُّ صلى الله عليه وسلّم فيها‏:‏ «المدينة تنفي»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، مع أن الراوي ذكره فيها، فأوهم أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم أراد منه أنَّ المدينة لا تترك هؤلاء أن يسكنوا بالمدينة، بل تنفيهم، مع أن كثيرًا منهم ماتوا بها‏.‏

وحاصل الجواب‏:‏ أن هذا القول لم يصدر منه في تلك القِصة، وفي هؤلاء المنافقين، وإنما جمع الراوي بينهما من تِلقَائه، فاعلمه‏.‏

باب‏:‏ كَرَاهِيَةِ النبي صلى الله عليه وسلّم أَنْ تُعْرَى المَدِينَة

كُلُّ امْرِىءٍ مُصَبَّحٌ في أَهْلِهِ *** وَالمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ

أَلا لَيتَ شِعْرِي هَل أَبِيتَنَّ لَيلَةً *** بِوَادٍ وَحَوْلِي إِذْخِرٌ وَجَلِيلُ

وَهَل أَرِدَنْ يَوْمًا مِيَاهَ مَجَنَّةٍ *** وَهَل يَبْدُوَنْ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلُ

1889- قوله‏:‏ ‏(‏يرفع عقيرته‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وهي في الأصل صوت الجرح، ثم استعمل في صوت الجريح، ثم في الصوت مطلقًا‏.‏

1889- قوله‏:‏ ‏(‏شامة، وطفيل‏)‏، وفي كتب «غريب الحديث» إنَّا كُنَّا نراهما جَبَلين، ثم تبين أنهما عينان، قاله الخَطَّابي‏.‏

1889- قوله‏:‏ ‏(‏ماء آجنا‏)‏ أي ماء متغيرًا متعفنًا، فدل على أنهم أيضًا كانوا عارفين بأصول الصحة‏.‏

1890- قوله‏:‏ ‏(‏عن عمر قال‏:‏ اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك صلى الله عليه وسلّم ‏.‏

هذا آخر كتاب الحج، والحمد لله على ما أنعم‏.‏